المجلس الإسلامي العالمي: إرث من السلام ومواجهة الكراهية دفاعاً عن الإسلام

المجلس الإسلامي العالمي: إرث من السلام ومواجهة الكراهية دفاعاً عن الإسلام

النجف الأشرف – في ظل سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدن عراقية عديدة في عام 2014، وجهت الحكومة العراقية نداءً عاجلاً إلى العلماء والأئمة الوطنيين للتصدي للفكر المتطرف الذي بدأ ينتشر بشكل مقلق في مختلف أنحاء العراق والشرق الأوسط. جاء هذا النداء في إطار الجهود الحثيثة لمواجهة الترويج الأيديولوجي الذي كان يعتمده داعش لجذب المتعاطفين وتبرير أعماله الوحشية باسم الدين الإسلامي، وهو ما لم يكن له أساس حقيقي في تعاليم الإسلام.

استجابةً لهذا التحدي، وبتوجيه من كبار المرجعيات الدينية في العراق، وفي مقدمتهم آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)، اجتمع حوالي 100 عالم دين من مختلف المذاهب الإسلامية بما في ذلك السنة، والشيعة، والصوفية لتشكيل جبهة فكرية ودينية تواجه داعش وتعري أفكاره الباطلة. يُعد تأثير المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله) في هذه المرحلة حاسماً، إذ دعا بشكل مباشر العلماء والمفكرين إلى التصدي للفكر المتطرف، وأصدر فتاوى شجعت الشعب العراقي على الدفاع عن بلده ضد الإرهاب، مؤكدًا أن هذا الواجب لا يقتصر على طائفة معينة، بل يشمل الجميع دون استثناء.

استرشد العلماء المشاركون في هذه المبادرة بقول النبي محمد صلى الله عليه وآله: “إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يُظهر علمه”. ومع انهيار النسيج الاجتماعي العراقي بسبب الصراعات الطائفية بين الميليشيات السنية والشيعية، كان هذا التجمع الديني خطوة ضرورية لإعادة اللحمة الوطنية والمساهمة في توجيه الناس نحو الوحدة في مواجهة العدو المشترك. عمل العلماء على تفنيد الفتاوى التي أصدرها داعش، والتي كانت تخالف جوهر تعاليم الإسلام السمحة وتسيء إلى سمعة الدين.

أثرت توجيهات المرجعية الدينية بشكل خاص على تشكيل هذه الجبهة الدينية؛ فقد دعوا إلى توحيد الصفوف ونبذ الفتن الطائفية والتركيز على المصلحة الوطنية العليا. وبتأثيرهم، بدأ رجال الدين والعلماء في كافة أرجاء العراق يتحركون لدعم الجيش العراقي والقوات الشعبية، وتقديم المساعدة للمجتمعات المحلية التي كانت تتعرض للترهيب من قبل داعش. قام العلماء بالتواصل المباشر مع الناس في المدن والقرى، وقدموا الإرشادات الدينية والروحية التي شجعت السكان على رفض الفكر الداعشي ومحاولة تحرير مناطقهم بأنفسهم، بالتعاون مع القوات العراقية.

ومع حلول عام 2015، كان العلماء المتجمعون يعملون بشكل يومي على مكافحة التطرف وتعزيز قيم التعايش السلمي بين جميع الطوائف الدينية في العراق، بما في ذلك المسلمين السنة والشيعة، والمسيحيين، والصابئة. لقد انتشر هؤلاء العلماء في المناطق الأكثر تضرراً، وعملوا على تفكيك الأفكار المتطرفة التي كان تنظيم داعش يزرعها بين الفئات الضعيفة والمهمشة. كما ساهمت هذه الجهود في تحفيز الجيش العراقي والقوات الشعبية للمضي قدماً في تحرير المدن العراقية من قبضة داعش، مستفيدين من الدعم المعنوي والديني الذي وفره العلماء.

بحلول عام 2017، وبعد الهزيمة العسكرية الكبيرة التي لحقت بتنظيم داعش، قررت الحكومة العراقية الإشادة بالدور الكبير الذي لعبه هؤلاء العلماء في التصدي للفكر المتطرف وحماية المجتمع العراقي من السقوط في براثن التطرف. وبحلول عام 2018، اتسع نطاق هذا التجمع ليشمل أكثر من 400 عالم دين من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية. بدلاً من حل هذا التحالف، استمر العلماء في العمل على المستوى العالمي، بالتعاون مع علماء من دول أخرى خلال زياراتهم إلى المدن المقدسة في العراق.

وفي نهاية عام 2018، تم رسمياً تأسيس المجلس الإسلامي العالمي لعلماء الدين (The Global Imams Council – GIC)، ليكون أول وأكبر منظمة غير حكومية تضم علماء الدين المسلمين من مختلف المذاهب والمدارس الإسلامية حول العالم. يضم المجلس اليوم أكثر من 1,400 عالم دين، وكلهم يعملون على تعزيز رسالة التعايش السلمي والتسامح والاحترام المتبادل، وبناء جسور التواصل بين مختلف المجتمعات الدينية.

ويُعد المجلس منصة عالمية لمواجهة التطرف الديني وتعزيز الحوار بين الأديان، مستنداً إلى التجربة العراقية في التصدي لتنظيم داعش، مع التزام بنشر قيم السلام والوحدة بين الشعوب. أثبت المجلس أنه ليس فقط قوة فكرية ضد الإرهاب، بل نموذج للتعاون والتنسيق بين علماء الدين على مستوى العالم، مما جعل منه رمزاً للأمل والتغيير في مواجهة التحديات العالمية التي يواجهها الإسلام والمسلمون اليوم.

إغلاق