تراث الصفارين يواجه تحديات البقاء في الديوانية التاريخية

تراث الصفارين يواجه تحديات البقاء في الديوانية التاريخية

تحتضن مدينة الديوانية في قلبها سوق الصفارين العريقة، حيث تمتزج روائح الماضي العبقة مع أنفاس الحاضر المتسارع. كما أن هذه السوق تحتل مكانة مميزة في أحد أزقة سوق التجار كشاهد حي على إرث حرفي أصيل يعكس مهارة الصفارين في تشكيل النحاس وتحويله إلى تحف فنية تحكي قصص الأجيال المتعاقبة.

وعندما يقترب الزائر من السوق تملأ أصوات طرق النحاس المتناغمة المكان. لذلك، تنقل هذه الأصوات الزائر إلى زمن كانت فيه الأواني النحاسية تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للعائلات.

وأوضح عبد الكاظم عباس، أحد الصفارين المخضرمين، أن سوق الصفارين تحمل لقب أقدم الأسواق الحرفية في مدينة الديوانية. حيث أن عمرها يتجاوز المئة عام بفترة طويلة.

وفي هذا السياق، يشير عباس إلى أن عدداً كبيراً من الحرفيين المهرة كانوا يعملون في هذه السوق. علاوة على ذلك، استخدم هؤلاء الحرفيون أدوات تقليدية بسيطة لصناعة أواني الطهي المتنوعة مثل القدور والطناجر التي تزين زخارف عربية أصيلة. كما أنهم أنتجوا المباخر والشمعدانات وأباريق القهوة التراثية وصواني الضيافة الفاخرة.

ويضيف عباس أن الحاج عباس رحمه الله وعبد الصاحب وعبد الواحد الصفار وآخرين كثيرين شكلوا نخبة الصفارين الأوائل في السوق. بالمقابل، جلب هؤلاء الحرفيون الصفائح النحاسية من بغداد لضمان الجودة العالية.

وشهدت هذه المهنة العريقة تراجعاً واضحاً وتبذل اليوم جهوداً لمقاومة الاندثار في أيامنا هذه. نتيجة لذلك، يعود السبب إلى غلاء المواد الخام وانفتاح الاستيراد للأدوات والمستلزمات التي يحتاجها الصفارون في صناعة منتجاتهم.

من ناحية أخرى، يقول علي ضياء، أحد الحرفيين الباقين، أنه ورث هذه المهنة العريقة من آبائه وأجداده. لكن للأسف، تشهد المهنة انقراضاً واندثاراً تدريجياً. إذ يعمل حالياً ثلاثة أو أربعة محال فقط للصفارين بسبب وفاة أصحاب المهن الأصليين.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه ضياء تحدي غلاء أسعار المواد ووجود مواد بديلة أرخص ثمناً. وبالتالي، يفضل المواطن شراء البدائل بدلاً من المواد النحاسية الأصلية.

وفي الوقت الحالي، يركز ضياء على إنتاج المواد التي يحتاجها الفلاح في الزراعة كالمنجل والسلاسل وسكين النخيل والمسحاة. كما أنه ينتج بعض المواد التراثية مثل الدلة وأدوات الطبخ التي يستخدمها الناس خاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية.

من جانبه، يؤكد المواطن سجاد علي أن العديد من الأسر ما زالت تحرص على شراء الأواني النحاسية. حيث أن النحاس يتحمل الحرارة العالية ويدوم لفترة طويلة ويتميز بالجودة الفائقة مقارنة بالمواد المستوردة.

وأخيراً، تحتفظ سوق الصفارين في الديوانية بطابعها كمتحف حي ينبض بالتاريخ والتراث رغم توجهها نحو الاندثار التدريجي. لهذا السبب، تبقى عالقة في ذاكرة أبناء الديوانية وتحتاج إلى جهود مضاعفة للحفاظ على هذا الإرث الثمين أمام زحف التطور والعولمة المستمر.

إغلاق