المقابر الجماعية في العراق: فصول مأساوية وجرائم إنسانية

المقابر الجماعية في العراق: فصول مأساوية وجرائم إنسانية

تمر الجرائم التي ارتكبها النظام البعثي الصدامي بحق الشعب العراقي مثل مجازر الأنفال وحلبجة، والمقابر الجماعية، والانتفاضة الشعبانية كصفحات دامية في تاريخ البلاد. هذه الجرائم لم تمحُها السنين، وخلّفت وراءها معاناة تزداد مع مرور الزمن. ولم يقتصر الألم على تلك الحقبة، بل استمرت الأعمال الإرهابية بعد عام 2003 لتلحق المزيد من الأذى بالشعب العراقي، مما يجعل الحاجة إلى توثيق الجرائم والمحاسبة أمرًا ضروريًا.

دعم أسر الشهداء وحقوق الضحايا

أكد رئيس مؤسسة الشهداء، عبد الإله النائلي، أن القوانين الخاصة بضحايا الإرهاب والنظام البعثي تضمنت حقوقًا جوهرية. على سبيل المثال، يحصل ذوو الضحايا على راتب تقاعدي شهري مقداره مليون ومئتي ألف دينار، بالإضافة إلى قطعة أرض سكنية وضمان صحي. ورغم هذه الجهود، أشار النائلي إلى محدودية التمويل، ما يمنع تغطية جميع الأسر بالبرامج المقدمة. ومن أجل تحسين الخدمات، تم إنشاء صندوق دعم خاص في العام 2024.

وأضاف النائلي أن المؤسسة أطلقت “رابط الضمان الصحي” لتوفير الرعاية اللازمة لأسر الضحايا، بالإضافة إلى توثيق انتهاكات النظام البعثي والإرهاب. كما أوضح أن السجل الوطني للمفقودين يعمل الآن على إحصاء المختفين في فترات مختلفة لتوثيق الجرائم ومنح حقوق عائلاتهم.

حقيقة المقابر الجماعية في العراق

ضياء كريم، مدير دائرة المقابر الجماعية، بيّن أن هناك نوعين رئيسيين من المقابر الجماعية في العراق. النوع الأول يرتبط بجرائم النظام البعثي مثل الموجود في بادية السماوة، والتي تضم رفات نساء وأطفال بصورة وحشية. أما النوع الثاني، فيعود إلى جرائم الإرهاب، مثل مقبرة “بئر علو عنتر” في الموصل، والتي عُثر فيها على العديد من الجثث بحالة تبدو شبه محنطة بسبب الظروف البيئية.

وأشار كريم إلى أن عدد المواقع المسجلة بلغ 221 موقعًا، بينما فُتح 134 منها بعد عام 2003. كما ذكر أن إجمالي الجثث المُستخرجة من المقابر بلغ 7709 رفات، مؤكداً استمرار الجهود للوصول إلى المزيد من المواقع وتنفيذ التحاليل الجيولوجية للوصول إلى أماكن جديدة مخفية.

جهود رسمية لتوثيق وإحصاء المفقودين

واصلت مؤسسة الشهداء العمل على إنشاء قاعدة بيانات واحدة تضم أسماء الضحايا والمفقودين. بمجرد اكتمال قاعدة البيانات، سيسهل معرفة التفاصيل الدقيقة عن الجرائم التي ارتكبت خلال حقب متفاوتة. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه المسؤولية يتطلب جهودًا مضاعفة بسبب صعوبات بيئية وأمنية تؤثر على سير العمل. علاوة على ذلك، تطلب المؤسسة دعماً دولياً لتوثيق هذه الجرائم وتقديمها كدلائل على وقوع إبادة جماعية وجرائم إنسانية.

انضمام العراق للمحكمة الجنائية الدولية

الخبير القانوني عباس العقابي أعرب عن أهمية انضمام العراق مجددًا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأوضح العقابي أن انسحاب العراق منها عام 2005 أحدث فجوة قانونية حالت دون محاكمة أبرز المتورطين في الجرائم الكبرى. لذلك، يرى ضرورة العودة إلى اتفاقية روما من أجل الاستفادة من القوانين الدولية لمحاسبة من عبث بالشعب العراقي وحقوقه.

تعزيز جهود القضاء المحلي

من جانب آخر، أوضح حيدر الظالمي أن العراق أنشأ “المحكمة الجنائية العليا” عام 2005 لمحاكمة أركان النظام البعثي، إلا أنه تم إلغاؤها في وقت لاحق ونُقلت قضاياها لمحكمة الجنايات المركزية. تعتزم الحكومة معالجة الملفات المؤجلة، خاصة جرائم الإبادة الجماعية التي لم يُبت فيها حتى الآن.

وفي هذا الجانب، دعا المحلل السياسي علي التميمي إلى الإسراع في الانضمام لاتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى أن الجرائم ذات الطابع الدولي لا تسقط بالتقادم. وطالب التميمي المجتمع الدولي بدعم العراق في مساعيه لضمان إنصاف الضحايا ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم.

إغلاق