كيفية التمييز بين التشهير وحرية التعبير في القانون العراقي وضوابط النقد المشروع

وجه رئيس مجلس القضاء الأعلى بضرورة نشر ثقافة التمييز بين التشهير وحرية التعبير. كما دعا إلى تطوير التشريعات وإعادة تعريف حدود النقد ومسؤولية النشر.
أكد مجلس القضاء الأعلى، اليوم الجمعة، أن الدستور كفل حق التعبير والنقد. بينما لم يمنح غطاءً للإساءة والاتهام بلا دليل.
قال رئيس محكمة استئناف نينوى القاضي رائد حميد مصلح في مقالة: “حرية التعبير تشكل إحدى أهم الحريات العامة”. وأضاف: “تقوم عليها الأسس الديمقراطية للدولة العراقية الحديثة”.
كفل الدستور العراقي لعام 2005 هذا الحق في المادة 38. كما منح الأفراد فسحة واسعة للتعبير عن آرائهم. علاوة على ذلك، يمكنهم انتقاد أداء السلطات دون خوف من الملاحقة.
لفت القاضي إلى أن هذه الحرية ليست مطلقة رغم أهميتها. إذ يحدها القانون عندما يتجاوز القول حد النقد المشروع. وبالتالي يصبح قذفاً أو تشهيراً يمس السمعة والكرامة.
أضاف: “تنامى الخطاب العام في العراق خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي”. كما تفاقمت إشكالية الخلط بين النقد وحرية التعبير من جهة. وبين القذف والتشهير من جهة أخرى.
أدى هذا الخلط إلى إساءة استخدام الحق الدستوري وتسييسه في أحيان كثيرة. بالإضافة إلى تحويله أحياناً إلى أداة للإيذاء أو الانتقام.
بين المصلح أنه “لا بد من السعي إلى بيان الإطار القانوني”. كذلك يجب تحديد معايير النقد المباح وشرح حدود جرائم القذف والتشهير.
الإطار الدستوري لحرية التعبير
أشار إلى أن الدستور العراقي نص في المادة 38: “تكفل الدولة على نحو لا يخل بالنظام العام والآداب حرية التعبير عن الرأي”. كما شمل ذلك حرية الصحافة والطباعة والإعلام والنشر.
وضح أن الدستور لم يطلق الحرية على عواهنها. بل قيدها بالنظام العام والآداب، وهو تقييد متعارف عليه في التشريعات.
يذهب الفقه الدستوري إلى أن حرية التعبير ليست مطلقة. بل مقيدة بحدود حقوق الآخرين خصوصاً الحق في السمعة والكرامة. لذلك الحق في الانتقاد لا يبرر المساس بالشرف أو توجيه اتهامات غير مثبتة.
منح الدستور الفرد حق النقد بوصفه ممارسة مشروعة لحرية الرأي والتعبير. كما منحه إياه للتعبير عن الاعتراض أو التحليل أو المراجعة أو التقويم. شريطة أن يوجه إلى العمل لا إلى الشخص.
يجب أن يستند النقد إلى وقائع أو تقديرات موضوعية. كذلك لا يقصد بها التشهير أو الإساءة.
معايير التمييز بين النقد والتشهير
وضع القاضي معايير للتمييز بين النقد والتجريح كمعايير قانونية عملية. فألفاظ الشتم والحط من الكرامة والطعن الشخصي تخرج من دائرة النقد.
أما إذا جاءت في سياق سياسي أو رقابي فهي أقرب للنقد. وكلما ابتعد الكلام عن الوظيفة واقترب من الحياة الخاصة أصبح أقرب للتشهير.
نظم قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 جرائم الاعتداء على السمعة. كما حدد جريمة القذف وفق أحكام المادة 433.
تتكون جريمة القذف من ركن مادي يتمثل بإسناد واقعة محددة. بالإضافة إلى ركن معنوي يقصد الإساءة. شدد القانون العقوبة إذا وقع القذف بطريق النشر.
نظم القانون أيضاً جريمة السب وفق أحكام المادة 434. ونص على كونها رمي شخص بما يخدش الشرف أو الكرامة دون إسناد واقعة محددة.
تعد هذه الجريمة من أكثر الجرائم انتشاراً في الخطاب العام والمواقع الإلكترونية. غالباً ما يتحقق التشهير فيها بسبب اقتران القذف أو السب بوسيلة نشر علنية واسعة.
الإشكالات العملية الحالية
أضاف أنه “لا بد للمجتمع الذي يريد حياة منتظمة ومتسقة ألا يخلط بين الحق الممنوح له وبين المسؤولية”. كما يجب ألا يتعسف في استخدام هذا الحق الدستوري والقانوني.
يعد اتهام شخص بالسرقة والاختلاس والرشوة دون دليل معتبر قذفاً. كذلك الخوض في الأسرار الشخصية والزيجات والعائلة يعد تشهيراً. بالإضافة إلى أن نقل الشائعات يندرج في باب الاعتداء على السمعة.
تكمن الإشكالات العملية بضعف الثقافة القانونية لدى الجمهور. فكثيرون يعتقدون أن حرية التعبير تعني حرية الشتم والطعن وهذا فهم خاطئ.
يستخدم بعض الفاعلين السياسيين التشهير كأداة سياسية في المشهد العراقي. حيث يلجؤون إلى استخدام الاتهامات كوسيلة ضغط سياسي. مما يربك الرأي العام ويشوش المفاهيم القانونية.
التوصيات والحلول
وفقاً لتوجيهات رئيس مجلس القضاء الأعلى بضرورة حماية الحريات وصيانتها، يجب توعية المجتمع. كما ينبغي تثقيفه على المعايير القانونية والموضوعية في النقد.
يتم ذلك من خلال عقد الندوات والورش والحوارات العامة. بالإضافة إلى تدريب الإعلاميين والناشطين على المعايير القانونية للنقد. وبالتالي خفض حالات الوقوع في جرائم السب والقذف عن غير قصد.
أشار إلى ضرورة تحديث وتعديل التشريعات المتعلقة بجرائم القذف والسب والتشهير. كونها تعود لعام 1969 ولا تتلاءم مع البيئة الرقمية الحالية. لذلك من الضروري سن تشريعات جديدة أكثر وضوحاً وحداثة.
العلاقة بين حرية التعبير والنقد من جهة وبين القذف والتشهير من جهة أخرى علاقة دقيقة. تستلزم فهماً قانونياً متيناً.
كفل الدستور العراقي الحق في التعبير والنقد. لكنه لم يمنح غطاء للإساءة أو الاتهام بلا دليل. على المجتمع القانوني والإعلامي العمل معاً لترسيخ ثقافة قانونية.
تحمي هذه الثقافة الحرية من جهة وتصون الكرامة من جهة أخرى. من هنا تبدو الحاجة ملحة إلى تطوير التشريعات وإعادة تعريف حدود النقد.





