القضاء العراقي يؤكد حياده ويرفض التدخل في تشكيل الحكومة الجديدة

نشر مجلس القضاء الأعلى قراءة تحليلية لبيانه الأخير الموجه إلى القوى السياسية. وبالتحديد، يوضح المجلس في هذا التحليل موقفه بشأن الفصل بين السلطات ودور القضاء في المشهد السياسي.
أكد المجلس، اليوم الجمعة، موقعه الدستوري وحدود دوره الوطني. وعلاوة على ذلك، جدد دعوته للأحزاب والقوى السياسية لاحترام التوقيتات الدستورية في تشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
في الواقع، تحمل هذه الدعوة في ظاهرها حرصاً قانونياً واضحاً. ومع ذلك، فإنها تتضمن في باطنها رسالة سياسية مهمة مفادها أن تجاوز الدستور بات يهدد استقرار الدولة وتماسك مؤسساتها.
بطبيعة الحال، لا يأتي هذا التذكير من فراغ. فقد أصبح التأخير في تشكيل السلطات سمة متكررة في العملية السياسية. ونتيجة لذلك، يفتح هذا التأخير أبواباً للتدخلات والضغوطات وإعادة توزيع النفوذ خارج الأطر القانونية.
وبناءً على هذا الوضع، يسعى القضاء إلى إعادة الجميع إلى مربع الانضباط الدستوري. وبالتالي، يؤكد أن احترام المدد الزمنية ليس خياراً سياسياً يمكن تجاوزه، بل هو التزام يضمن استمرار شرعية النظام السياسي برمته.
بشكل لافت، ظهرت النقطة الأكثر حساسية في بيان المجلس في جلسته الـ 15 في الفقرة الأخيرة. حيث وجه المجلس رسالة قاطعة تضع حداً لتنامي الخطاب السياسي الساعي إلى زج القضاء في مسألة تسمية رؤساء السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا سيما رئيس الوزراء القادم.
في حقيقة الأمر، لم تكن هذه الفقرة مجرد توضيح عابر. بل على النقيض، كانت إعلاناً مبدئياً يهدف إلى حماية سمعة المؤسسة القضائية ومنع تحويلها إلى طرف داخل الصراع السياسي.
وفي ذات السياق، شدد مجلس القضاء الأعلى بوضوح على رفضه زج اسم القضاء، كمؤسسة أو كأفراد، في أي مداولات تخص اختيار رئيس الوزراء. وفضلاً عن ذلك، أكد عدم دعمه أو تبنيه أي رأي تجاه أي شخصية مرشحة لهذا المنصب.
ومن خلال هذه الصياغة غير المعتادة في حدتها ووضوحها، يعكس المجلس إدراكه لخطورة المرحلة، ولخطورة محاولات بعض الأطراف استغلال اسم القضاء في تسويق خيارات سياسية أو تبرير تفاهمات تُعقد خلف الأبواب المغلقة.
من وجهة نظر دستورية، يمثل هذا الموقف تكريساً لمبدأ الفصل بين السلطات، إذ يضع القضاء نفسه في موقع الحكم المحايد. ومن الناحية السياسية، هو رسالة تحذير واضحة للأحزاب بأن القضاء لن يكون طرفاً في دعم جهة على حساب أخرى.
وبالتوازي مع ذلك، يبعث برسالة طمأنة للرأي العام بأن المؤسسة القضائية تقف على مسافة واحدة من الجميع ولا تملك سوى الأدوات القانونية التي خولها لها الدستور لحماية الدولة والنظام الديمقراطي.
أما على المستوى الدبلوماسي، يمكن قراءة البيان باعتباره رسالة موجهة أيضاً إلى المجتمع الدولي الذي يراقب عن كثب مستوى استقلالية المؤسسات العراقية.
وفي وقت تتزايد فيه المخاوف من تغوّل بعض القوى ومحاولاتها التأثير على الهيئات الدستورية، يأتي هذا التأكيد القضائي ليعزز الثقة بأن الدولة ما تزال قادرة على حماية توازن السلطات ومنع تسييس القضاء.
وكنتيجة لذلك، يسهم هذا الموقف في ترسيخ صورة عراق يسعى إلى تثبيت قواعد اللعبة الديمقراطية وحماية مؤسساتها بعيداً عن الضغوط الداخلية والخارجية.
وختاماً، في ظل تعقد المشهد السياسي العراقي، يبدو القضاء وكأنه يقول للجميع؛ هنا تنتهي لعبة السياسة، وهنا يبدأ القانون.
ولهذا السبب، يضع مجلس القضاء الأعلى حدوداً واضحة بين ما هو سياسي وما هو قضائي، مؤكداً أن بناء الدولة لا يتحقق إلا عندما تبقى المؤسسات فوق الصراعات، لا أدوات داخلها.





