حوزة قم المقدسة: قرن من العطاء العلمي والروحي

حوزة قم المقدسة: قرن من العطاء العلمي والروحي

أكد سماحة آية الله العظمى الشيخ بشير حسين النجفي أهمية الدور المحوري لحوزة قم المقدسة. وجاءت كلمته خلال احتفالية الذكرى المئوية لتأسيس حوزة قم المقدسة. وأشار إلى تأسيسها قبل مئة عام على يد المرجع الكبير الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي. وأوضح أنها تمثل امتدادًا طبيعيًا لمسيرة الأئمة والعلماء في حفظ الشريعة.

حضور مميز ومشاركة فاعلة

شارك الشيخ علي النجفي، ممثل سماحة المرجع النجفي ومدير مكتبه في النجف الأشرف، في المؤتمر العلمي بمدينة قم. واستمر هذا المؤتمر يومي 7 و8 مايو. وألقى خلاله كلمة المرجعية في هذه المناسبة التاريخية المهمة.

قدم سماحته خمس نقاط أساسية لتطوير الواقع الحوزوي:

  1. تأسيس الحوزات قرب مراقد الأئمة الأطهار ودعمها لما تحمله من بركات علمية.
  2. ضمان استقلالية الحوزات العلمية من جميع النواحي لتعزيز جودة مخرجاتها.
  3. مساعدة طلاب العلم لتحديد أهدافهم بين الاجتهاد والتبليغ والتفقه.
  4. اعتماد مناهج علمية قوية تساعد الطلاب على التفوق في مختلف المجالات.
  5. استخدام الوسائل التعليمية الحديثة بشكل يناسب خصوصية العلوم الدينية.

عبر سماحته عن تقديره لجهود العلماء الذين ساهموا في بناء هذا الصرح العلمي. ودعا الله تعالى لتوفيق كل العاملين في تعزيز مكانة الحوزات ورفعتها.

لقاءات على هامش الزيارة

التقى الشيخ علي النجفي خلال زيارته بعدد من مراجع الدين في قم المقدسة. واطمأن على صحتهم وتبادل معهم الآراء حول تحديات الأمة. وتناولت اللقاءات خاصة الاعتداءات على الشعبين الفلسطيني واليمني. وأكد المجتمعون على أهمية وحدة الصف ودعم قضايا الأمة العادلة.

نص كلمة سماحة المرجع النجفي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً وهدايةً للعالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللّعنُ الدائم على أعدائهم أجمعين.

أمّا بعد..

فقد قال الله سبحانه وتعالى في محكمِ كتابِه ومُنيفِ خطابهِ: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم

نحتفي معكم اليوم، أيها العلماء الأعلام والحضور الكرام، بمرور قرنٍ من الزمن على الانطلاقة المباركة والعظيمة لحوزة قمّ المقدَّسة، التي أُسِّسَت على يدِ عالمٍ عاملٍ وقائدٍ من قادة الحوزات العلميَّة في العالم، ألا وهو المرجع العظيم الشيخ عبد الكريم الحائريّ اليزديّ (أعلى الله درجاته في علّيين)، وقد استمرت هذه الحوزة حتى أضحت حصناً منيعاً من حصون الدين.

إنَّ هذا الإنجاز والانتصار الكبير والمهمّ للطائفة قد جاء استمرارًا للمسيرة المباركة، برعاية وليِّ الله الأعظم- أرواحُنا لترابِ مقدمه الفداء – التي بدأها الأئمّة صلواتُ الله وسلامُه عليهم، حيث فتحوا أبوابهم لطلبة العلم من مختلف أصقاع الأرض، بحسب ما سنحت الظروف لكلٍّ منهم، لنشر العلوم والمعارف، وحثّوا شيعتَهم على استحصال العلم ونشره. ثمّ نهض بعدهم بأعباء تلك المسؤولية العظيمة علماءُ الطائفة ومشايخُها، أمثال الشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي، والمحقّق الحليّ، في بغداد والحِلَّة والنجف الأشرف.

فأسَّسوا تلك الحصونَ التي لاذ بها العلماءُ وطالبو الحقِّ وخُدَّامُ شريعةِ سيدِ المرسلين (صلى الله عليه وآله)، فأنتجت ما أنتجت وأثمرت ما أثمرت، حتى التحقت حوزةُ قمّ المقدَّسة الشريفةُ بهذا الركبِ المباركِ منذ قرنٍ من الزمن، وأثبتت جدارتها وقوتها وأهميةَ دورها، خصوصًا في الصراعِ الثقافيِّ والدّينيّ في العقودِ الأخيرة.

ونحن وإياكم، إذ نبارك لإمام زمانِنا وقائدِنا الحُجَّةِ بنِ الحسنِ (صلواتُ الله وسلامُه عليه)، هذا الإنجازَ المستمرَ بإذن الله تعالى في هذه الحوزةِ المباركةِ وباقي الحوزاتِ الشريفة، نجدِّدُ الثناءَ للعلماءِ الأعلامِ الذين قدَّموا أرواحَهم الزكية، وصرفوا أعمارَهم المباركة وأوقاتَهم، وكلَّ ما جادت به أيديهم المباركة، لإقامةِ هذا الصرحِ العظيم، وهم شركاءُ في أجرِ وثوابِ العلماءِ والمتعلِّمين.

وإنَّنا نغتنمُ اجتماعَ العلماءِ والفضلاءِ وممثِّلي الحوزاتِ العلميَّة، وكلَّ المعنيينَ بشأنها، في هذا المؤتمرِ المباركِ المنعقدِ لهذه المناسبةِ العزيزة، كي نعرضَ بعضَ الأمورِ المهمَّة، مستلهمينَ الدروسَ من نجاحِ هذه الحوزةِ المباركةِ.. وغيرها.

1. ضرورةَ العملِ على تأسيسِ ودعمِ الحوزاتِ الموجودةِ بجوارِ مراقدِ الأئمةِ الأطهارِ وذراريهم في مختلفِ أصقاعِ الأرض، لما لوجودِهم من بركةٍ وأثرٍ في أن تكونَ مراقدُهم حاضنةً مناسبةً للحوزاتِ العلميَّة.

2. التأكيدُ على استقلاليّةِ الحوزاتِ العلميَّة من جميعِ النواحي؛ لما لها من أثرٍ بالغٍ على نوعيّةِ النتاجِ واستمرارِه.

3. ضرورةُ توجيهِ الراغبين في الالتحاقِ بركبِ الحوزاتِ إلى تحديدِ الهدفِ من دخولِهم إلى الحوزة، هل هو الاجتهادُ أو التبليغُ أو التفقّه، وذلك لتحديدِ المنهجِ المناسبِ لهم، استثمارًا للطاقاتِ وتنظيمًا للجهودِ.

4. التأكيدُ على اعتمادِ مناهجَ علميّةٍ رصينةٍ ودقيقةٍ تؤهّلُ طلابَ العلمِ لحيازةِ قصبِ السبقِ والمراتبِ العُليا في جميعِ الحقولِ العلميَّة التي تُعنى الحوزاتُ العلميَّة بتهيئةِ المتخصِّصينَ لرفدِها.

5. الاستفادةُ من الوسائلِ الحديثةِ العلميَّة بما ينسجمُ مع العلومِ والمعارفِ الحوزويّةِ، لتكونَ معينًا صالحًا لروّادِ الحوزاتِ العلميَّة.

ختامًا، نسألُ اللهَ (سبحانه وتعالى) أن يتقبَّلَ الجهودَ الكبيرةَ والمخلصةَ للقائمينَ على إقامةِ هذا المؤتمرِ المبارك، وأن يسدِّدَ خُطاهم.

كما نرجوه تعالى أن يتغمَّدَ علماءَنا الماضينَ بوافرِ رحمتِه ونعمتِه وكرامتِه، ويرزقَهم جوارَ النبيينَ في جنَّتهِ، وأن يوفِّقَ العامِلينَ والمشتغلينَ للعلمِ والعملِ الصالح.

ونسألُه تعالى أن يحفظَ حصونَ الدين، الحوزاتِ العلميَّة الشريفةَ المباركةَ في كلِّ مكان، وأن يوفِّقَنا وإياكم لإكمالِ المسيرةِ بما يرضي اللهَ، ويُسِرُّ مولانا صاحبَ الزمانِ (صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه).

..والسلام

بشير حسين النَّجفيّ

النجف الأشرف

إغلاق