مختصون يدعون لتأسيس “بنك الفقراء” لدعم التمويل في العراق
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العراق، تبرز الحاجة الملحة إلى إنشاء مبادرات مبتكرة تهدف إلى دعم الفئات الأقل حظاً. ضمن هذا الإطار، أفاد خبراء الاقتصاد بضرورة الإسراع في إنشاء “بنك الفقراء”، معتبرين أن هذه الخطوة تمثل تحولاً مهماً نحو توفير التمويل للأفراد بعيداً عن الفوائد المرتفعة التي تفرضها البنوك التقليدية. يُعتبر “بنك القرية” أو “بنك الفقراء” تجربة ناجحة بدأت في بنغلاديش، حيث توسعت لتشمل أكثر من 100 دولة حول العالم.
وفي هذا السياق، أشار عضو منتدى بغداد الاقتصادي، عبد العزيز الحسون، إلى حديثه مع محمد يونس خان، مؤسس فكرة البنك، خلال مؤتمر في جاكارتا، حيث لفت انتباهه مشهد الباعة المتجولين الذين كانوا يتوسلون المارة لشراء بضائعهم. هذا الأمر دفعه إلى التفكير في إيجاد مصدر تمويل لهؤلاء الباعة بشروط بسيطة. وأوضح الحسون أن موظفي البنك يحملون حقائب تحتوي على النقد واستمارات الاقتراض، مما يتيح لهم منح قروض بسيطة تتناسب مع احتياجات السوق.
كما استفسر الحسون عن المخاطر المصرفية المرتبطة بعمليات الإقراض بدون ضمانات، وأكد خان أن 20% من المقترضين قد يتلكؤون في السداد، وهو معدل مقبول بالنظر إلى حجم القروض الصغيرة التي تُمنح. بعد سنوات، أبدى خان فخره بتغيير حياة آلاف الأشخاص من خلال تعامل إنساني بعيد عن قسوة رؤوس الأموال، مشيراً إلى أهمية تغيير مفهوم الاقتراض ليكون حقاً من حقوق الإنسان.
من جانبه، تحدث الخبير المصرفي سيف الحلفي عن إمكانية إنشاء نموذج عراقي مستوحى من تجربة محمد يونس، مشيراً إلى أن “بنك جرامين” في بنغلاديش يُعتبر من أنجح التجارب في مكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأكد الحلفي على ضرورة توفير الخدمات المالية للأفراد الأقل حظاً في العراق، بهدف دعم المشاريع الصغيرة وتحسين مستوى المعيشة.
وأشار الحلفي إلى أن الخطوة الأولى تتضمن تحديد اسم البنك وجمع رأس المال من مساهمات الحكومة، المنظمات غير الحكومية، ورجال الأعمال. كما أكد على أهمية توفير التمويل للمشاريع الصغيرة والأفراد الذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية، مما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة وتقليل الفقر.
وعن طريقة منح القروض، أوضح الحلفي أن الفئات المستهدفة تشمل الأسر الفقيرة، النساء الأرامل، والشباب العاطلين عن العمل. كما تتضمن شروط منح القروض تقديم خطة مشروع مبسطة، والالتزام بتسديد القرض بفائدة مخفضة أو بدون فائدة، مع تقديم ضمانات اجتماعية بدلاً من الضمانات المالية.
وتشمل أنواع القروض قروضاً شخصية صغيرة لتمويل الاحتياجات الأساسية، وقروضاً للمشاريع الصغيرة، وقروض تضامن تُمنح لمجموعات من الأفراد. وأكد الحلفي على أهمية استراتيجيات التمويل المستدام والتعاون مع المنظمات الدولية للحصول على تمويل إضافي.
وفيما يتعلق باستدامة البنك، أشار إلى ضرورة تحقيق الربحية الاجتماعية من خلال تمكين المستفيدين من تحسين مستوى معيشتهم، وتحقيق الاستدامة المالية عبر تغطية التكاليف التشغيلية. وتوقع الحلفي أن يسهم البنك في زيادة نسبة الاندماج المالي وتحسين مستوى المعيشة للأسر المستفيدة.
المختص الاقتصادي أحمد مكلف وصف فكرة “بنك الفقراء” بأنها خطوة مهمة، لكنه أشار إلى ضرورة تغيير التسمية في العراق، حيث يجب أن تعكس هذه المبادرة واقعاً إيجابياً على حياة العائلات العراقية. وأكد مكلف على أهمية الاستفادة من تجربة بنك الفقراء العالمية، وتوجيهها نحو مشاريع تستهدف الشباب والفئات العاملة في سوق التجزئة، مما يسهم في خلق مسارات جديدة تخدم الاقتصاد الوطني.
كما أضاف مكلف أن العراق يمتلك شريحة كبيرة من الأيدي العاملة الماهرة، ويجب أن يستهدف البنك جميع هذه الفئات ليكون محوراً فعالاً في سوق العمل الوطني.