مهرجان لوريان: احتفاء بالثقافات السلتية في قلب فرنسا
تحتضن مدينة لوريان الفرنسية مهرجانها السنوي الذي يُعد واحداً من أبرز الاحتفالات الثقافية العالمية، مخصصاً لتكريم الثقافات السلتية المتنوعة. يُعتبر هذا الحدث الفريد ساحة للتلاقي بين الموسيقى، الرقص، الفن، والأدب، ويقدم مجموعة من الأنشطة التي تُبرز التقاليد الغنية لشعوب السلت، بما في ذلك بريتاني الفرنسية، إيرلندا، أسكتلندا، ويلز، جاليسيا في إسبانيا، وكورنوال الإنجليزية.
منذ تأسيسه في عام 1971، شهد المهرجان، وفقًا لكريستوف جان، تزايداً ملحوظاً في عدد الزوار حتى أصبح يجذب الآلاف سنوياً. يقدم المهرجان تشكيلة متنوعة من الفعاليات مثل الحفلات الموسيقية، المعارض الفنية، والعروض الثقافية، مما يعكس التراث العريق واللغات والتاريخ للشعوب السلتية، التي شكلت جزءاً من الحضارات الهندو-أوروبية القديمة، واحتلت موقعاً مهماً في وسط وغرب أوروبا قبل أن تتراجع بسبب التوسع الروماني والجرماني. إلا أن هذا التراث لا يزال ينبض بالحياة في مناطق مثل بريتاني، التي تحافظ على لغة بريتون، وإيرلندا بثقافتها الغنية بالأدب والموسيقى، حيث تبقى اللغة الغيلية عنصراً جوهرياً في الهوية الثقافية.
تستمر أسكتلندا في الحفاظ على اللغة الغيلية الأسكتلندية، وتشتهر بثقافة العشائر وملابسها التقليدية. بينما في ويلز، تعد اللغة الويلزية جزءاً أساسياً من التراث السلتي، وهي من اللغات الأكثر حيوية في العائلة السلتية. أما في جاليسيا الإسبانية، فبالرغم من أن اللغة الجاليكية تُصنف ضمن اللغات الرومانسية، فإن التراث السلتي ما زال حاضراً في تقاليدها. وفي كورنوال، جنوب غرب إنجلترا، تحافظ المنطقة على تراثها السلتي، مع جهود لإحياء لغة الكورنيش بعد فترة من الاندثار.
تتميز الثقافات السلتية بثراءٍ في الفنون والعادات، حيث تعد مهرجاناتها الموسيقية التقليدية، مثل موسيقى القيثارة، الكمان، والفلوت، جزءاً من الطابع الفلكلوري. تتناول الموسيقى السلتيك مواضيع من الأساطير والقيم التقليدية، في حين تعكس الفنون البصرية الطراز المعقد للنقوش والعقد السلتية.
وفي تصريح لأستاذ التاريخ المتقاعد قاسم محمد، المقيم في لوريان، أكد أن المهرجان يجمع حشوداً من الزوار من أنحاء العالم للاحتفاء بالثقافة السلتية. وتضمن هذا العام مجموعة متنوعة من الفعاليات، بما في ذلك حفلات موسيقية يومية تضم فنانين من دول سلتية كإيرلندا، أسكتلندا، وويلز. كما شهدت شوارع لوريان مسيرات وكرنفالات احتفالية مستوحاة من التراث السلتي.
شملت فعاليات المهرجان أيضاً معارض للفنون البصرية والحرف التقليدية السلتية، بالإضافة إلى مسابقات موسيقية راقصة. كما نُظمت ورش عمل لتعليم الرقصات السلتية التقليدية والعزف على الآلات الموسيقية الخاصة بها. وتخلل المهرجان عروض أدبية، محاضرات، وأفلام وثائقية، إضافة إلى سوق يعرض المنتجات التراثية، مما جعل هذا الحدث منصة حية لترسيخ التراث السلتي المتنوع والمستدام.